إذا كنت ولي أمر مراهق، فلا بد أن التحديات التي تواجهها في التعامل مع هذه المرحلة من العمر تدفعك لأن تربط كلمة "مراهق" مع الفعل "يرهق"، إلا أن الكلمة في الواقع مشتقة من "راهق" بمعنى اقترب، والمقصود بأنه فارق الطفولة واقترب من النضج الجسمي والجنسي والعقلي والنفسي والاجتماعي. وشتان الفرق بين الاقتراب من النضج وبين الوصول إليه، إذ أن فترة المراهقة هي مرحلة صعود من الطفولة إلى الرشد وتستغرق فترة طويلة قد تصل أحياناً إلى عشر سنوات يمر فيها المراهق بتحديات كبيرة، من أهمها: الولادة من جديد.
• البحث عن هوية مستقلة ومعرفة النفس، مما يعرّض المراهق لعدد من الصراعات الداخلية، ومنها: صراع بين الاستقلال عن الأسرة والانتماء لها، وصراع بين نزعات الطفولة والالتزام بالمتطلبات الجديدة للأنوثة الرجولة، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد والقيود الاجتماعية، صراع ثقافي بين أفكار وقيم جيله وتلك التي تنتمي للجيل السابق، والصراع الديني بين ما تعلمه من ثقافة دينية وبين تفكيره الناقد الجديد ورؤيته الخاصة للحياة. إن هذه الصراعات التي يمر بها المراهق تسبب له الاضطراب النفسي والبلبلة وتدفعه نحو التمرد والانسلاخ عن الأهل وقضاء غالبية وقته أكثر مع الصديقات والأصدقاء لتطوير هوية جديدة ومستقلة.
• التغييرات في الهرمونات التي تسبب العصبية والمزاجية وحدة التعامل والحساسية المفرطة.
• التغييرات الجسمانية المفاجئة التي تشوش تعريف المراهق لنفسه فهو تارة في عالم الطفولة وتارة أخرى إنسان بالغ، فتخلق عنده الشعور بالبلبة وتقلبات في المزاج.
• عدم اكتمال نمو القشرة الخارجية للمخ التي تقع في مقدمة الجبهة في الدماغ، وهي مسؤولة عن "التفكير السوي" للشخص الراشد إذ تقوم بوظائف هامة مثل فهم عواقب التصرفات، التحكم في الغرائز، ضبط السلوك الاندفاعي، فهم الآخرين، ملائمة السلوك لمتطلبات الموقف، والقدرة على التعامل مع معطيات متعددة في آن واحد. ويشار إلى أن هذه المنطقة من الدماغ لا يكتمل نضوجها الا بعد انتهاء فترة المراهقة، مما يفسر استعداد المراهقين للتهور والمغامرة والاندفاع وراء خطط غير مدروسة جيداً من دون التفكير بالعواقب.
• عدم استيعاب الأهل والمجتمع لطبيعة مرحلة المراهقة وعدم توفير سبل احتواء المراهق بمحبة وبحكمة لمساعدته تخطي هذه المرحلة مما يتسبب بانزواء المراهق أو انحرافه. وعندما يعطى المراهق مسؤولية كشخص بالغ ثم يوبخ كطفل، يشعر بمزيد من الاضطراب في تعريف نفسه وفي تحديد هويته.
وفي مرحلة المراهقة يضعف تأثير الأسرة على نوع طعام المراهق وكثيراً ما تبوء محاولات التدخل بالفشل. وتزداد احتياجات المراهق للعناصر الغذائية المختلفة في هذه الفترة نتيجة نموه الجسدي السريع، إلا أنه غالبًا ما يفشل في تلبية هذه الاحتياجات بسبب ميله إلى استهلاك الوجبات السريعة والنقرشات المصنّعة تحت ضغط الأصدقاء أو الصديقات أو في محاولته للتحرر من قيود الأسرة وللشعور بالاستقلال الذاتي.
إنّ العادات الغذائية السيئة للمراهق تعرّضه لسوء التغذية، ومستقبلاً تعرضه لعدد كبير من الأمراض المزمنة مثل النحافة الشديدة أو السمنة أو السكري أو أمراض القلب والشرايين أو هشاشة العظام أو ضعف الدم (الأنيميا). ولتوجيه المراهق لاتباع عادات غذائية صحيّة، لا بد من اللجوء إلى أساليب تساعده في اتخاذ القرارات الصحيحة دون أن تمس بكرامته. أقدم في ما يلي ست استراتيجيات فعّالة لتوجيه المراهقين بنجاح نحو عادات غذائية صحيّة:
1) إلجأ إلى الحوار بدلاً من المحاضرات والنصائح والأوامر
خاطب المراهق بمحبة واحترام، وكن صاغياً لوجهة نظر المراهق في الاختيارات الغذائية التي يقوم بها. استفسر عن الصعوبات التي يواجهها في التخلص من العادات الغذائية السلبية ثم اتفقوا على تغييرات تدريجية نحو نهج غذائي صحّي يتضمن ما يلي:
- تناول الخضروات في كل وجبة
- استهلاك ثلاث حصص من منتجات الحليب يوميًا، وتعرّف الحصة بكوب من الحليب 1% دسم، كوب من اللبن 1.5% دسم، كوب من الشوكو الجاهز 2% دسم، 85 غرام من الجبنة 5% دسم، أو شرحة من الجبنة الصفراء حتى 9% دسم.
- استبدال النقرشات المصنّعة بمسليات طبيعية مثل البشار، الذرة الصفراء، الخضروات، الفواكه، اللبن، المكسرات، والترمس.
- تناول الحبوب الكاملة نصف أيام الأسبوع على الأقل، والمقصود بالحبوب الكاملة الخبز والمعكرونة المصنوعان من طحين قمح كامل، الأرز غير المقشور، البرغل، الفريكة والجريشة.
- تجنّب المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والعصير.
2) شجع المراهق على تخطيط الوجبات الغذائية على مدار الأسبوع
كي تساعد المراهق على تنظيم وجباته الغذائية والامتناع عن تناول الطعام بشكل عشوائي، إجلس معه لتساعده في تخطيط وجباته أسبوعيًا. إن هذا الأمر من شأنه أن يساعده على الاستقلال في الرأي عن أصدقائه وتحمل المسؤولية والتخطيط واتخاذ القرار. شجّع المراهق على دمج أغذية صحّية في برنامجه الغذائي واعرض عليه أفكارا لوجبات صحيّة يستسيغها.
3) اصطحب المراهق معك للتسوق الغذائي
بعد التخطيط للوجبات الغذائية، اصطحب المراهق معك للتسوق الغذائي كي يختار بنفسه الأغذية الصحية التي سيتناولها. امتنع عن ادخال الأغذية غير الصحية في البيت مثل المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والنقرشات المصنّعة لأنك بهذا تضع المراهق في صراعات داخلية إضافية هو في غنى عنها!
4) شجع المراهق على تحضير وجبات غذائية بيتية صحّية
يعتبر المراهق تحضير الطعام نوع من الاستقلالية والنضوج، ادعو المراهق ليشاركك في تحضير الوجبات الصحية التي يحبها، بما فيها الوجبات السريعة التي يمكن تحضيرها في البيت بطرق صحيّة. مثلا يمكن شوي قطع الشاورما في البيت بإضافة بهارات الشاورما الجاهزة وتناولها مع السلطات والطحينة والخبز الأسمر. يمكن أيضًا مشاركة المراهق في تحضير البيتزا البيتية بشكل صحي، إذ ينصح بإضافة الطحين المصنوع من طحين قمح كامل في العجينة وتقليل كمية الزيت، وبإضافة الجبنة الصفراء حتى 9% دسم.
5) امتنع عن اعطاء الانتقادات
قدم الدعم والمشورة الغذائية للمراهق دون توجيه الانتقادات أو الشتائم أو المقارنات مع الآخرين لأن المراهق يعاني من الحساسية المفرطة والتأثر السريع للنقد. امدح المراهق واثنيه على عاداته الغذائية الإيجابية، حتى وإن كانت لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وذلك من أجل مساعدته على بناء الثقة بنفسه وبقدرته على التغيير. ويشار إلى أن الانتقادات تسبب للمراهق أضرار نفسية جسيمة ورؤية متدنية أو اضطراب في رؤية الذات قد تصاحبه مدى الحياة. وتقع المراهقات بالتحديد ضحية الإنتقادات لمنظهرهن، فيلجأن إلى أنواع الحمية المتطرفة أو يصبن بالأمراض النفسية الني تدفعهن إلى افتعال "التقيؤ" بعد الطعام، أو تناول "المسهلات" مما يعرض حياتهن الجسدية والنفسية للخطر.
6) كن قدوة
مارس النهج الغذائي الصحي الذي ترغب أن يتبعه المراهق. إن تناقض أعمالك مع أفعالك يخلق صراعا إضافيا بينك وبين المراهق ويحدث شرخا كبيراً في إمكانية التفاهم والإقناع.