الملاريا – وباء العالم الثالث
تتفشى الملاريا في مناطق شاسعة على وجه الكرة الارضية – خاصًة في افريقيا، وشرق وجنوب امريكا وفي دول الشرق الاقصى – وتُعد أحد اسباب الوفاة الرئيسية هناك.
يصاب بالملاريا كل عام نحو 200 مليون انسان، وحوالي نصف مليون انسان يموتون بسببها. الكثير منهم أطفال ( وخاصًة في افريقيا ).
تحديدًا، تصيب الملاريا السكان في دول العلام الثالث، اضافة الى السياح الذين يزرون مناطق موبوءة ( المناطق التي يتفشى فيها المرض ).
وعلى الرغم من الجهود العالمية المستمرة منذ سنوات كثيرة الا انه حتى الآن لم يُطوّر تطعيم فعّال للملاريا. والمقلق أكثر والخطير للسياح: طَوّرت طفيليات الملاريا مقاومة لقسم كبير من الأدوية الموجودة، وبعوض الانوبلس طَوّر مقاومة للكثير من المبيدات الحشرية.
وفي الجزء المتعلق " بالأخبار الجيدة " يمكن القول أن هناك علاج للمرض، وهناك أدوية للوقاية منها بفاعّلية كبيرة. لكن ليست كل الأدوية فعّالة بذات الدرجة، ومنها حتى ما لا يوصى بها. كيف نعلم؟ نوع الدواء الواجب تناوله يتعلق بالأساس بسلالة الملاريا وبالمنطقة المنوي زيارتها.
كيف تتم الاصابة بالملاريا؟
سبب الملاريا هو طفيل يدعى بلسموديوم (plasmodium). ينتقل الى الشخص عن طريق لسعة من انثى الانوبلس ( Anopheles) لدم الشخص الملسوع، بعد أن قامت قبل ذلك بامتصاص دم الشخص المريض. وبعد أن دخلت الى الدم، تنتقل الطفيليات الى خلايا الكبد وتتكاثر داخلها.
عندما تمتلئ الخلية بالطفيليات، تنفجر وترسل الكثير منها الى الدم. هذه الطفيليات تدخل الى خلايا الدم الحمراء وتتكاثر بداخلها.
بعد 48 وحتى 72 ساعة تنفجر خلية الدم المصابة وترسل طفيليات أخرى الى الدم. هذه الطفيليات تدخل الى خلايا دم حمراء أخرى، وهكذا دواليك.
ما هي أعراض الملاريا؟
الأعرض الأولى للملاريا على أنواعها المختلفة تشمل ارتفاع درجة حرارة الجسم، والتي يمكن أن تكون مصحوبة بالقشعريرة، الإعياء، آلام في رأس، آلام بالعضلات ،الغثيان، ولربما التشوش .
يمكن أن تظهر هذه الأعراض بشكل دوري وغالبًا ما تكون مصحوبة بالانيميا ( نقص الدم ) واليرقان ( الصفار ). ومن المهم أن نعرف ان أعراض الملاريا ليس دائمًا مميزة، وأحيانا يكون الشعور فيها مشابهًا لذلك الذي يميز الانفلونزا الطفيفة: الحرارة ليست مرتفعة وليست دورية، ولا يوجد عَرَضْ مميز آخر.
يمكن أن يبدأ المرض بعد سبعة أيام من اللسعة وحتى عدة أشهر من مغادرة المنطقة الموبوءة، أو بعد توقف العلاج الوقائي.
لذلك، يتوجب على كل من مكث أو لا يزال في منطقة موبوءة بالملاريا ولديه حرارة مرتفعة التوجه لإجراء فحص طبي.
هنالك اربع أنواع من طفيليات الملاريا التي تسبب المرض للإنسان.
فيما يلي تفاصيل هذه الانواع، خصائصها واعراض الامراض التي تسببها:
1. بلسموديوم فلسيباروم (Plasmodium Falciparum). هذا هو النوع الأخطر الذي يسبب معظم حالات الوفاة. ارتفاع درجة الحرارة بجسم من اصيبوا بهذا الطفيل هي دورية في معظم الحالات، لكنها ليست منتظمة تمامًا. طفيل الملاريا هذا قد يسبب مرض دماغي والذي قد يتجلى على شكل تشنجات ولاحقًا قد يؤدي الى انخفاض حالة الوعي.
اضافة الى ذلك، قد يضر هذا الطفيل أجهزة أخرى في الجسم، فهناك خطر للاصبة في الكبد، انخفاض مستوى السكر بالدم، ظهور وذمة - ورم - ( سوائل ) في الرئات واصابة في الكلى والتي تتجلى بإفراز قليل للبول، نزيف ( من الفم والجهاز الهضمي )، انيميا شديدة ويرقان في الجلد.
2. بلسموديوم فيفاكس وبلسموديوم نولسي (Plasmodium Vivax and Knowlesi). هذه الطفيليات متفشية في وسط افريقيا وفي شبه الجزيرة الهندية. غالبًا ما تتجلى في ارتفاع درجة حرارة الجسم لدى المصابين بهذه الطفيليات في دورة مدتها 48 ساعة. يمكن للطفيل أن يبقى في حالة سبات بالكبد والتسبب في تفشي متكرر للمرض حتى بعد مرور سنوات.
3. بلسموديوم اوفال (Plasmodium Ovale). من النادر ايجاد هذا الطفيل خارج افريقيا، وهو يؤدي بشكل عام الى ارتفاع درجة الحرارة بدورة مدتها 48 ساعة. وهذه السلالة أيضا يمكن أن تبقى في حالة سبات والتسبب في تفشي متكرر.
4. بلسموديوم ملاريا (Plasmodium Malaria ). هذا الطفيل أقل شيوعًا من الأنواع الأخرى . وهو موجود خاصًة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى. غالبًا ما تتجلى في ارتفاع درجة الحرارة لدى جسم المصاب بدورة مدتها 72 ساعة.
كيف نمنع الملاريا؟
نفعل كل شيء لمنع لسع البعوض.
ينشط بعوض الانوبلس بالأساس في ساعات الغروب وفي ساعات المساء المبكرة. يجب التشديد على اللباس الطويل، ودهن جيد وشامل للمناطق المكشوفة بمواد طاردة للبعوض ( والتي تحتوي على 25% من المادة الفعالة والمسماة ( DEET ) . كما يجب التشديد على النوم بناموسية بدون ثقوب ومغلقة بشكل مُحْكم. اضافة الى ذلك، يمكن وضع اقراص او عبوات تنثر مواد طاردة للبعوض في الغرفة.
اذا ما أصبت – كيف يتم علاج الملاريا؟
هنالك علاج دوائي فعّال للملاريا. غالبًا، علاج يتم تناوله بالحبوب ( أقراص )، بينما المصابين بإصابة خطيرة، والذين لا يستطيعون تناول الادوية عن طرق الفم، يتلقوها عن طرق الوريد ( بالتسريب ). من المهم تلقي العلاج مبكرًا قدر الإمكان.
يمكن علاج المرض بعدة أدوية. غالبًا ما يتم اختيار الدواء الملائم بما يتوافق والمعطيات التالية: المنطقة التي يخمنون حصول الإصابة فيها، المكان الذي مكث فيه المريض أثناء ظهور المرض، نوع الطفيل ( كما تم تحديده حسب الأعراض السريرية وحسب فحص المختبر ).
تجدر الاشارة الى ان التجليات الكلاسيكية للملاريا ( حرارة دورية وقشعريرة ) أقل شيوعًا وذلك لأن حرارة الجسم لدى المرضى المتعالجين لا تزيد عن 40 درجة مئوية، لذلك فانهم لا " يعيدون ضبط " دورة الحياة لدى الطفيليات في الدم من 48 ساعة وحتى 72 ساعة كما كان يحدث في الماضي. تلغي هذه الحقيقة الارتفاع المعتاد للحرارة الدورية.
اضافة الى ذلك، يوجد احيانًا لدى الاشخاص الذين تلقوا علاجًا وقائيًا جزئيًا وأصيبوا بالملاريا أعراضًا أقل بروزًا. هذه أعراض قد تظهر حتى بعد عدة أشهر من الإصابة. ظاهرة مشابهة يمكن أن تحدث لمن تلقوا علاجًا جزئيًا للمرض وقد عاد وتفشى.
ومن الجدير معرفته أن في دول عديدة ( تحديدًا في الدولة الفقيرة بالعالم الثالث ) هناك سوق حبوب مزيفة للوقاية من الملاريا وعلاجها . حقيقة أخرى من الجدير معرفتها هي أن بعض أدوية علاج الملاريا لا يمكن الحصول عليها في الدول التي لا يوجد فيها مرض الملاريا.
معلومة أخرى مهمة: أمراض الهيموجلوبين وأمراض خلايا الدم الحمراء، مثل الانيميا المنجلية ( فقر الدم المنجلي ) ، شائعة في مناطق العالم التي تتفشى فيها الملاريا. يبدو أن ذلك يعود الى الحماية النسبية التي توفرها هذه الأمراض ضد الملاريا. على سبيل المثال، يتبين أن خطر وفاة حاملي الانيميا المنجلية بسبب البلسموديوم فلسيباروم أقل بست مرات من خطر وفاة عامة السكان.
أدوية للوقاية من الملاريا
هناك عدة أدوية للوقاية من الملاريا حيث تستخدم كطبقة حماية اضافية- في حال فشلت جهود الوقاية من لسعات بعوض الانوبلس. الادوية الموصى بها تُحدد حسب المنطقة المنوي السفر اليها، وحسب مدة السفر وحسب الخصائص الشخصية ( أمراض او حالات طبية سابقة ). جميع الأدوية التي تُعطى اليوم تحتاج الى وصفة طبية.
فيما يلي الادوية الاساسية:
مالارون (Malarone); الاسم الشائع : أتوفاكون + بروجوانيل (Atovaquone+ Proguanil)
الجرعة للبالغين: حبة ( قرص ) واحدة مرة في اليوم. للأطفال – حسب وزن الجسم. الدواء فعّال ضد جميع أنواع الملاريا في جميع أنحاء العالم. ويوجد له ايجابية أخرى: يقلل من الأعراض الجانبية، بشكل نسبي. يوصى بدء العلاج به قبل يومين من الوصول الى المنطقة التي يوجد بها ملاريا والاستمرار في تناوله بعد سبعة أيام من العودة. يمنع على الحوامل تناول الدواء وكذلك الأشخاص الذين يعانون من فشل كلوي خطير.
يستخدم الدواء أيضًا لعلاج تكيسات المبيض (أربعة حبات مرة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أيام متواصلة) – حتى الحصول الى علاج طبي منظم.
لاريام (Lariam); الاسم الشائع : مفلوكين (Mefloquine)
اللاريام هو دواء قديم، له العديد من الأعراض الجانبية. الأخطر من ذلك: في عدة مناطق بالعالم – وتحديدًا في شرق آسيا – طوّرت الطفليات مقاومة لهذا الدواء. ايجابية هذا الدواء هو أنه بالإمكان تناوله مرة واحدة في الأسبوع وليس كل يوم.
يوصى البدء بتناوله قبل أسبوع الى اسبوعين من الوصول الى المنطقة التي يوجد فيها ملاريا والتوقف عن تناوله بعد شهر من العودة.
الأعراض الجانبية الشائعة للدواء – وفقًا للدراسات – هي الغثيان واضطرابات النوم. هذه أعراض طفيفة لا تؤدي بشكل عام الى وقف العلاج. ويمكن أن يحصل ايضا تقيئات ،اسهال واكتئاب. وفي حالات نادرة قد يسبب اضرابات نفسية شديدة. وفيما يتعلق بالأقاويل التي تفيد بتسببه في تساقط الشعر فلا يوجد ما يدعم ذلك في الأبحاث.
تجدر الإشارة الى أن: خطورة وعدد الأعراض الجانبية للدواء أقل بكثير مما يُزعم في الأساطير الحضرية.
يمنع إعطاء الدواء لمن يعانون من الاضطرابات النفسية، أو التشنجات أو من اضطرابات في نبضات القلب.
دوكسيلين (Doxylin) ; الاسم الشائع: دوكسيسايكلين هيدروكلوريد (Doxycycline Hydrochloride)
الجرعة: حبة واحدة في اليوم. الدواء ملائم لعلاج جميع أنواع الملاريا. قد يصحب تناول الدواء العديد من الأعراض الجانبية مثل تهيج في الجهاز الهضمي العلوي، التهاب في مهبل النساء اضافة الى تفاعلات في الجلد بعد التعرض للشمس.
يوصى البدء بالعلاج قبل يومين من الوصول الى المنطقة التي يوجد بها ملاريا والاستمرار به بعد شهر من العودة.
الحديث يدور عن دواء رخيص نسبيًا، لكن يُمنع على النساء الحوامل تناوله وكذلك الأطفال ما دون الـ18 عام.
يجب تناول الدواء وقوفًا، مع كوب واحد على الأقل من الماء، يُمنع الاستلقاء خلال النصف ساعة الأولى بعد تناول الحبة.
كلوروكين (Chloroquine); الاسم الشائع: كلوروكين الفوسفات
كلوروكين هو دواء قديم ، واليوم تقريبًا لا يستخدم وفي كثير من مناطق العالم باتت طفيليات الملاريا مقاومة له.
بريماكين (Primaquine); الاسم الشائع : بريماكين الفوسفات
بريماكين فعّال فقط ضد البلسموديوم فيفكس و اوفال وذلك لأنه يؤثر على الطفيليات فقط عند وجودها في الكبد ( المرحلة التي يستمر فيه وجود هذين الطفيليين في الكبد أكثر من باقي الطفيليات ). يُمنع على من يعانون من نقص بإنزيمات G6PD تناول هذا الدواء.
كرنتافيل (Krintafel)، اركودا (Arakoda); الاسم التجاري: تافينوكوين (Tafenoquine)
هذا دواء جديد نسبيًا. يشبه في تركيبته الكيميائية البريماكين ، لكنها فعّالة ضد كل انواع الملاريا – سواء أكان ذلك لعلاج المرض أو للوقاية منه. حتى بداية 2021 لم تُسوّق بعد في اسرائيل. يجب تناوله لمدة يوم أو يومين فقط. يمنع اعطاؤه لمن يعانون من نقص بإنزيمات G6PD.
سمعت أن الأدوية المضادة للملاريا تسبب الصلع
هذا الادعاء صادق تمامًا مثل القصص التي تقول بوجود تنانين تعيش في مجاري الصرف الصحي في نيويورك. بكلمات أخرى، هذا حديث أساطير حضرية ( لسبب ما باتت شعبية جدًا ). الأدوية المضادة للملاريا لا تسبب تساقط الشعر لذا فهي لا تؤدي الى الصلع.
7 ملاحظات هامة لمن ينوّون السفر للمناطق المصابة بالملاريا
- يوصى اولئك الذين يسافرون الى المناطق التي لا يوجد فيها خدمات طبية معقولة ومناسبة وأيضا اولئك الذين يعانون من أعراض جانبية بعد تناولهم لأدوية وقائية للملاريا أو أدوية علاجية للمرض نفسه أن يبدأوا بتناول الأدوية التي تم اختيارها قبل ثلاثة – أربعة أسابيع قبل السفر. السبب: اذا تطورت أعراض جانبية ما ، يكون هناك وقت كافٍ من أجل الحصول على استشارة مناسبة وبالتالي استبدال الدواء.
- هنالك أدوية أخرى يمكن تناولها، ولكن في كل الأحوال يجب التوجه الى الطبيب والحصول على وصفة طبية دقيقة وتعليمات واضحة فيما يخص الدواء المفضل، والجرعة الموصى بها، والأعراض الجانبية، والتعليمات المعاكسة ( متى يُمنع تناول الدواء ) وطريقة التناول المناسبة.
- كل ارتفاع في درجة الحرارة لدى من يزرون أو زاروا المناطق الموبوءة تثير الشك لناحية أن الحديث يدور عن الإصابة بالملاريا. يجب أن نتذكر أن الملاريا هو مرض يهدد حياة الناس، لذلك لا يجوز التأجيل والمماطلة في التوجه للحصول على مساعدة طبية.
- كل من أصيب في الملاريا يحتاج الى علاج طبي.
- وجود طفيل الملاريا بل وحتى نوعه يمكن تشخيصه في فحص دم بسيط. أحيانًا يكون هناك حاجة لأكثر من فحص واحد وذلك لأن الطفيل لا يوجد في الدم في جميع مراحل حياته.
- اذا ظهرت حرارة مرتفعة مصحوبة بقشعريرة، أو تعرق أو رجفة، يجب التوجه فورًا الى الطبيب.
- تجدر الإشارة الى أن العلاج الوقائي لا يمنع الإصابة بنسبة 100% من الحالات. حتى لو تم تناول العلاج الوقائي بشكل منتظم، واذا ما تطورت أعراض مشبوهة، كتلك التي ذكرت آنفًا، يجب إجراء فحص. من الجدير أن نتذكر ايضًا: يمكن للملاريا أن تتفشى بعد التوقف عن العلاج الوقائي.
الدكتورة داليا نبوت مينتسر مختصة بطب العائلة وطب الرياضة. وهي طبيبة عائلة بمجموعة الخدمات الصحية كلاليت وطبيبة رياضة بمعهد فينجيت. وفي السابق كانت متصدرة اسرائيل في " كراف 7 " ، وفي السنوات 1983-1988 حصلت على لقب بطولة اسرائيل بالعديد من فروع العاب القوى .
الدكتور كرمل كيشير مختص في طب العائلة ومتخصص في طب الملوثات في كلاليت.