المرحلة الأولى التطور في الايام الأولى!
عند ولادة الطفل فإنّه يتعامل مع أمّه على أنّها "غرض"، وهذا الغرض قد سُخِّر لخدمته، ولا يفصل بينه وبينها أيّ فاصل من وجهة نظره، فجسمه وجسمها عبارة عن جسم واحد، وهذا الجسم يمدّه بالغذاء والمتعة الفموية من خلال الرضاعة، خصوصًا وأنّ الطفل يتواصل مع العالم من خلال فمه.
التغيّر الحاصل لدى الطفل في توجّهه هذا يبدأ في عمر سبعة حتى ثمانية أشهر تقريبًا، إذ يبدأ الطفل بإدراك وجود جسدين منفصلين، فنجده يبكي بحرقة عندما تبتعد أمّه عنه لأنّه يشعر بخوف شديد.
المرحلة الثانية خطوات جديدة وحنين للماضي!
المرحلة التي تلي خوف الطفل هي الشعور بالغربة، وإدراكه أنّ أمّه هي كائن حيّ وجسد مستقلّ عنه، ويكون ذلك في عمر 9 أشهر. في هذه المرحلة، يتشكّل لدى الطفل حبّ استطلاع، فنجده يحاول التعرّف على كلّ شيء حوله، ويبدأ بالابتعاد عن أمّه شيئًا فشيئًا. في هذه المرحلة، أيضًا، ينمو لديه الخوف من الغرباء. وتُعتبر هذه المرحلة بمثابة "مرحلة تدريب"، يبدأ فيها الطفل بالتحرّك إلى كلّ مكان، وبالتالي يبتعد عنه أمّه، لتصبح أقلّ أهميّة بالنسبة إليه. كما يتدرّب الطفلُ على تفحّص الأمور من حوله، فنجده كثير الفضول ومحبّ الاستطلاع. تتميّز هذه المرحلة بنشاط مرتفع وبحركة دائمة طوال الوقت.
مع مضيّ الوقت يكتشف الطفل أنّ العالم أخطر ممّا اعتقد سابقًا، ويفهم حدود قدراته. هذا الإدراك للمخاطر يجعل الطفل يتراجع ليعود إلى علاقته الأوّليّة بأمّه، سعيًا إلى الحصول على الأمان والحماية.
الرغبة في الاستقلالية من جهة، والرغبة في الحصول على الحبّ من جهة أخرى، تجعلان الطفل يقترب تارةً من أمّه، ويبتعد تارةً أخرى عنها. عمليه الابتعاد والاقتراب هذه من الممكن أن تستمرّ دقائق معدودة.
من الممكن أن تستمرّ هذه العملية على مدى أيّام حياته، وهنا يتعلّق ردّ الفعل بردّ فعل الأم أو الشخص الذي يعتني بالطفل. تطلب الأمّ من الطفل اتخاذ قرار الابتعاد (أن يكون كبيرًا) أو الاقتراب (أن يكون طفلا صغيرًا)، الأمر الذي لا يستطيع الطفل القيام به، ويستمرّ في تخبّطه ويسلّم أمّه هذه التخبّطات متوقّعًا منها أن تعيشها معه، من دون أن تطلب منه اتخاذ موقف محدّد ومكان واحد بين المكانين، ومعنى ذلك أنّ الأمّ تترك لطفلها إمكانية العيش مع هذه التخبّطات والتناقضات، وأن يكون بالتالي مرة كبيرًا وأخرى صغيرًا.
إنّه لأمر صحيّ أن يعيش الطفل هذه المشاعر المتناقضة، من دون مطالبته باتخاذ قرار حاسم، أو موقف واحد، أو وضع واحد من بين الوضعين.
إذا مرّ الطفل هذه المرحلة بنجاح، سيتمكّن مستقبلا كإنسان بالغ من قبول التعايش مع الاختلافات والتناقضات.
عندما يبلغ الطفل عمر 3 سنوات
فإنّه يمدّ جسرًا بين هذه التناقضات، ويصير بمقدوره الانفصال عن أهله دون أن يفقد صوابه ودون أن يبكي بشكل حادّ.
في هذه المرحلة، نجد الطفل عندما يذهب إلى الروضة، مثلاً، يبكي على فراق أهله، وحين يبتعد الأهل فإنّه يهدأ بشكل تدريجيّ، وهذا الأمر طبيعيّ جدًّا.
يبدأ الطفل في هذه المرحلة بتنظيم مشاعره وتهدئة نفسه عندما يتضايق أو يحزن أو يغضب، فنجده يبكي ثمّ يهدأ من تلقاء نفسه. من الممكن أيضًا أن يبدأ برمي أغراضه وألعابه، ثمّ بعد أن يهدأ يقوم بجمعها. ومن الممكن أيضًا أن يتوجه الطفل إلى أمّه أو أبيه باكيًا. هذه الإمكانيّات جميعًا جيّدة وسليمة طالما أنّ الطفل لا يشكّل خطرًا على نفسه.
* المعلومات الواردة في الدليل هي معلومات عامة فقط. يرجى مراجعة في شروط الاستخدام وحماية المعلومات