في بداية انتشار وباء كورونا برزت حقيقة أن الأطفال لا يمكنهم تقريبا الإصابة بالمرض، وإذا مرضوا فسيكون في أغلب الحالات مرضا خفيفا.
حتى وقت قصير، أخذ هذا الانطباع الأولي في الازدياد، لكن في الآونة الأخيرة، ومع ظهور المتحورات الجديدة، لوحظ تغيير معيّن في هذه الصورة الأوليّة. إذا ما الذي نعرفه عن كورونا لدى الأطفال؟
يجدر الإشارة إلى أنّ المعطيات الموردة هنا هي من عدة دول، تختلف عن بعضها البعض (وعن إسرائيل) من الناحية الديموغرافية والوضع الاجتماعي - الاقتصادي: في متوسط عدد الأطفال في الأسرة، في متوسط عدد الأطفال في التعداد السكاني العام، في نماذج أجهزة التربية والتعليم وما إلى ذلك. كما تختلف هذه الدول عن بعضها البعض في خصائص انتشار الوباء، ولذلك ليس من الواضح إلى أي حد يمكن لهذه الاستنتاجات أن تنطبق على الوضع في إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، فإنّ الدراسات التي أجريت في إسرائيل حول اعتلال الأطفال بمرض كورونا قد أفرزت نتائج ليس لها دلالات واضحة ويمكن تفسيرها على عدة وجوه.
ما هي أعراض مرض كورونا لدى الرضّع والأطفال؟
تشبه أعراض كورونا عند الرضّع والأطفال أعراض المرض لدى الكبار، لكن يبدو أن معدل الرضّع والأطفال الذين أصيبوا بالمرض ولم تظهر عليهم أعراض المرض أعلى منه لدى الكبار. تشير التقديرات إلى أن نحو 50% من الأطفال الذين أصيبوا بمرض كورونا لم يعانوا من الأعراض.
الأعراض الأكثر شيوعا عند الأطفال هي ارتفاع درجة الحرارة والسعال. من الأعراض الأخرى، ضعف وصداع ووجع عضلات ورشح وألم في الحلق وضيق في التنفس وآلام بطن وإسهال وغثيان وقيء وفقدان حاسة التذوق والشم. يتعافى الأطفال ممن يعانون من الأعراض، في الغالب خلال أسبوع إلى أسبوعين.
عند ظهور الأعراض يجب البقاء في البيت- وإجراء فحص إذا ظهر واحد أو أكثر من أعراض كورونا، منها حمى 38 درجة فما فوق، سعال أو ضيق في التنفس أو أي عرض تنفسي آخر، أو آلام عضلات أو ألم في الحلق أو تغير في حاسة التذوق أو الشم أو فقدان هاتان الحاستان فيتعيّن عليكم التزام المنزل. إذا كنتم بحاجة إلى علاج طبي عاجل فلا تهملوا الموضوع في فترة كورونا أيضا. تذكروا: يجب وضع الكمامات عند الخروج من المنزل، ومن المهم جدا المحافظة على مسافة 2 متر بين شخص وآخر، قدر الإمكان والمحافظة على النظافة الشخصيّة. إذا كانت المشكلة غير عاجلة فهناك مجموعة متنوّعة من الخدمات الطبيّة المتاحة التي يمكنكم الحصول عليها من المنزل
|
ماذا نعرف عن إصابة الأطفال بكورونا مقارنة مع الكبار؟
هذا سؤال من الصعب الإجابة عليه، لأنه يتم في معظم الدول فحص الرضّع والأطفال الذين يعانون من أعراض سريرية فقط، وفي غياب مسح سكاني(أي إجراء فحص للمرضى وللذين لا يعانون من الأعراض) فمن الصعب تقدير عدد المصابين.
يشير مسح سكاني أجري في أيسلندا في أبريل 2020 إلى أن 6% من الأطفال حتى جيل 10 أصيبوا بالمرض. وأفيد في الولايات المتحدة في أغسطس 2020 أن نسبة الأطفال من بين مجموع عدد المصابين بكورونا بلغت 7.3%، بالرغم من أن نسبتهم في العدد السكاني العام هي 22%. بالطبع، هذه المعطيات لا تنطبق على إسرائيل حاليا، حيث أن غالبية السكان الكبار قد حصلوا على التطعيم، وبالتالي فإن نسبة الأطفال بين الاشخاص المؤكدة إصابتهم أعلى بكثير.
يظهر من معطيات أخرى- من أجزاء مختلفة من العالم- أن الأطفال يشكلون 1% إلى 5% فقط من مجموع المصابين، لكن من الممكن بالطبع أن هذا المعطى يعكس حقيقة أنه قد تم على الأغلب تشخيص الأطفال الذين عانوا من مرض سريريّ صريح فقط وأن نسبتهم في الواقع أعلى بكثير.
يظهر من دراسات تم فيها فحص أفراد بيت مرضى مؤكدين أن عدد الأطفال المصابين كان أقل من الكبار في نفس الأسرة. يظهر من معطيات الاستقصاء الوبائي التي اجريت في إسرائيل أنّ غالبية الأطفال قد انتقلت إليهم العدوى من الكبار وليس من الأطفال من أجيالهم.
تفيد بعض التقارير الواردة من الولايات المتحدة عن انخفاض في معدلات الاعتلال بين الأطفال نتيجة توقّف التعليم والمخيمات الصيفيّة، لكن لا يمكن الاستدلال من تأثير هذه السياسة أو غيرها في البلدان المختلفة على الوضع في إسرائيل، بسبب الظروف الاجتماعيّة والمادية المختلفة.
وماذا في إسرائيل؟
أظهر مسح مصليّ أجرته وزارة الصحة في إسرائيل قبل عدة شهور أنّ 7.1% من الأطفال كانوا إيجابيين، مقابل 1.7% إلى 4.8% في مجموعات الجيل الأكبر سنا. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المسح قد تم إجراؤه فقط بين من حضروا إلى العيادات، وبالتالي فهو لا يعكس عموم السكان ولا يعطي صورة موثوقة.
أدت حملة التطعيم في إسرائيل إلى تغيير صورة المؤكدين في الدولة لأن غالبية السكان البالغين قد تلقوا التطعيم، وبالتالي فإن المرضى الجدد يتركزون بشكل اساسي في المجموعات التي لم تحصل على التطعيم: الشباب، وخاصة الأطفال. في 25 فبراير 2021، انتمى حوالي 45% من المؤكدين الجدد في نفس اليوم- وعلى غرار الاسبوع الذي سبقه- إلى مجموعة الأشخص من جيل 0-19. هذا المعطى آخذ في الارتفاع مقارنة مع الوضع في الشهر السابق.
في المقابل، مع ارتفاع نسبة الشباب من مجموع المؤكدين الجدد، ترتفع أيضا نسبتهم بين مرضى الحالات الصعبة، في حين أن نسبة أبناء جيل 60+ في مجموعة مرضى الحالات الصعبة آخذة في الهبوط، وهم يشكلون حاليا (نهاية فبراير 2021) فقط حوالي نصف مرضى الحالات الصعبة.
توفي في إسرائيل بسبب كورونا، منذ بداية الوباء 8 أطفال تتراوح أعمارهم بين 0-19. ما زالت نسبة الأطفال من بين المجموع الكلي للمتعالجين بوضع صعب في المستشفيات صغيرة، لكن نشهد المزيد والمزيد من حالات المرض الصعبة، والتي كانت في بداية الوباء أكثر ندرة. يعزى السبب في بعضها إلى دخول المتحور البريطاني، والذي من المؤكد تقريبا أنه أكثر عنفا، وفي بعضعها الآخر إلى حقيقة أن العدد الإجمالي آخذ بالازدياد، وهناك المزيد والمزيد من التعبير للنسبة القليلة للأطفال الذين يعانون من أعراض المرض الصعبة.
إلى أيّ حد ينقل الأطفال العدوى للآخرين؟
لا توجد لهذا السؤال أيضا إجابة واضحة. في بداية الوباء كان هناك قلق من أن الأطفال هم "الناقلون الرئيسيون" للمرض، كما هم "الناقلون الرئيسيون" للأنفلونزا والأمراض الفيروسيّة الأخرى. بعد ذلك كان هناك إدعاء بأن للأطفال دور صغير في نشر الوباء. التقدير المقبول حاليا هو أن الأطفال من جيل 10 فما فوق ينقلون الفيروس بنفس القدر مثل الكبار.
تمّت الإفادة عن نقل عدوى "فعال" جدا في المدارس والمخيمات الصيفية، لكن ليس من الواضح إن كان الأمر ناتج عن بيانات بيولوجية أو بسبب الظروف: الاكتظاظ، عدم ارتداء الكمامات، الغناء الجماعي، الصراخ وما شابه ذلك. على أيّ حال، فإن نسبة الأطفال من بين الناقلين الرئيسيين قليلة.
ما تزال درجة نقل العدوى عند الأطفال غير واضحة تماما، وتشير الأدبيات الطبية إلى نتائج متضاربة من دراسات مختلفة. هناك أيضا دراسات مخبرية تمّت فيها مقارنة مستوى الحمل الفيروسي عند الأطفال الرضّع مقارنة مع الكبار والشبيبة (يفترض أن يتنبأ الحمل الفيروسي العالي في البلعوم بتوقعات العدوى). يظهر من الدراسات أنه على ما يبدو فإن الأطفال الرضع ينقلون العدوى أقل من الشبيبة.
على أي حال يبدو أن قواعد الوقاية المعتادة- الكمامات والتباعد الاجتماعي والنظافة الشخصية- سارية للجميع، بما في ذلك الأطفال والشبيبة.
هل هناك فرق بين تأثير كورونا على الأطفال وبين تأثيرها على الكبار؟
بالرغم من التغيير الذي تمّ رصده في الآونة الأخيرة في ارتفاع عدد الأطفال المتواجدين في المستشفيات بوضع خطير، ما زالت تلك حالات نادرة. هناك فرق واضح بين الكبار والصغار فيما يتعلّق بالطريقة التي يمرون بها المرض. مرض الأطفال أخف بكثير من مرض الكبار، ولذلك فإنّ غالبية الأطفال المصابين يحتاجون أقل بكثير إلى دخول المستشفيات على وجه العموم وإلى دخول وحدات العناية المكثّفة على وجه الخصوص.
في إسرائيل، احتاج نحو 500 طفل فقط، والذين يشكلون أقل من 1% من مجموع المؤكدين، إلى العلاج في المستشفيات (حسب تقرير وزارة الصحّة في يوليو 2020).
هذا الفرق قائم أيضا ليس فقط بين الأطفال والكبار، بل أيضا عند المقارنة بين مجموعات الأجيال المختلفة بين الأطفال: يصاب الأطفال الرضّع بهذا المرض بشكل أخف بكثير من الأطفال المراهقين. لذلك فإنّ نسبة الوفيات بين الأطفال هي صفر تقريبا- حتى في الدول التي تعاني من عدد كبير جدا من المرضى مثل إيطاليا، إسبانيا وبريطانيا.
على غرار الكبار، هناك أطفال يعانون أيضا من أمراض خلفية قد تزيد لديهم مخاطر الإصابة بأعراض المرض الصعبة. هذه الأمراض الخلفيّة هي بشكل رئيسيّ:
السمنة المفرطة، المتلازمات الوراثيّة الشديدة، خاصة إذا كانت مرتبطة باضطراب تطوّري كبير، اضطرابات عصبيّة شديدة، التليّف الكيسي، متلازمة داون، أمراض استقلابية، الكبت المناعي (بسبب مرض نقص المناعة الخلقي أو نتيجة علاجات تثبّط الجهاز المناعي)، عيوب خلقيّة في القلب تسبب قصور في القلب، مرض رئويّ شديد يؤثر بشكل كبير على الاحتياطي الرئوي، الدياليزا (غسيل الكلى).
وفقا لبيانات صادرة من الولايات المتحدة، فإنّ نحو 80% من الأطفال الذين احتاجوا دخول المستشفى (وكما ذكرنا، هم قليلون) كانوا يعانون من أمراض خلفيّة على النحو المبيّن أعلاه. إحدى النظريات التي تحاول تفسير المسار الأكثر اعتدالا للمرض عند الأطفال هي أن الأطفال يعانون بدرجة أقل من "عاصفة سيتوكين" (انظر التطرّق إلى الموضوع في دليل فيروس كورونا: إجابات على الأسئلة الطبيّة الساخنة)، وهو مكوّن مهم في زيادة شدة المرض.
طبيب العائلة وطبيب الأطفال وطبيب الجلد أون لاين طبيب العائلة وطبيب الأطفال وطبيب الجلد أون لاين |
وماذا بشأن تطعيم الأطفال؟
إلى الآن، تمت الموافقة على تطعيم فايزر لمن هم في سن 16 عاما فما فوق، وعلى تطعيم مودرنا لمن هم في سن 18 فما فوق. تجري هاتان الشركتان (وغيرها من الشركات الأخرى) دراسات بشأن فعالية وسلامة التطعيم للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 15 سنة (فايزر) وعند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 17 سنة (مودرنا)، ومن المتوقّع نشر النتائج في نهاية العام الحالي.
ما العلاقة بين كورونا وبين مرض شبيه كاواساكي لدى الرضّع والأطفال؟
في أوائل أبريل 2020، تم الإبلاغ عن طفلة مصابة بمرض كاواساكي في كاليفورنيا وفي الوقت نفسه وجد أنها إيجابية أيضا لمرض كورونا.
يعاني الأطفال المصابين بمرض كاواساكي من التهاب الأوعية الدموية. ما زال سبب ظهور هذا المرض النادر غير معروف، ويعتقد أنه ناتج عن استجابة مناعية شديدة للجسم ضد العدوى.
الأعراض الرئيسية لمرض كاواساكي هي الحمى المستمرة، التهاب ملتحمة العينين، الطفح الجلدي، انتفاخ الغدد الليمفاوية، التهاب المفاصل. كما أن له تعبيرات مخبرية وسريرية تشير إلى وجود التهابات في الجسم. علاج المرض- حقن الأجسام المضادة وإعطاء الأسبيرين، وفي بعض الأحيان إعطاء المنشطات- تقلل بشكل كبير من مخاطر حدوث مضاعفات قلبية.
تم علاج الطفلة من كاليفورنيا بالطريقة المتبعة في علاج مرض كاواساكي وتم شفاؤها، لكن ظهرت في وقت لاحق تقارير أخرى حول أطفال وشبيبة في أوروبا وأمريكا الشمالية ظهرت لديهم أعراض مرض صعبة وطويلة شبيهة بمرض كاواساكي. تم إدخال غالبيتهم إلى وحدة العناية المكثفة، وكان بينهم أيضا عدد قليل من الوفيات.
بشكل عام، كان للأطفال الذين مرضوا بمرض شبيه كاواساكي علاقة مع كورونا: أو أنهم كانوا إيجابيين لفحص كورونا عندما تم اكتشاف مرض شبيه كاواساكي لديهم أو أنهم مرضوا بكورونا خلال الأربع أسابيع التي سبقت تشخيص متلازمة شبيه الكواساكي.
حصلت هذه المتلازمة على عدة أسماء- جميعها تعكس المكوّن الالتهابي متعدد الأجهزة في جوهرها (عمليات التهابية في القلب والأوعية الدموية، مسالك التنفس، الكلى، الدماغ والجهاز الهضمي): Pediatric Inflammatory SyndromMultie (وباختصار: PIMS) أو Multisystem Inflammatory Syndrome in Children (وباختصار: (MIS-C).
بعض المرضى لديهم خصائص "عاصفة سيتوكين"، وهي إحدى المضاعفات الخطيرة لكورونا. يجري التعامل مع المرض بشكل رئيسي من خلال علاج داعم: حقن الأجسام المضادة في حالة الاشتباه بمرض كاواساكي، علاج مضاد التهابات وفي بعض الأحيان علاج مثبط للمناعة يستهدف "عاصفة سيتوكين".
وردت حتى الآن المئات من التقارير عن هذا الاعتلال في جميع أنحاء العالم- معظمه عند الأطفال والشبيبة، لكن أيضا عند الشباب في بداية سنوات العشرين من عمرهم. ليس من الواضح تماما العلاقة بين المرض شبيه الكواساكي وبين فيروس كورونا، لكن هناك علاقة ظرفية: وجد ارتباط بين المناطق التي أفيد فيها عن وجود هذا المرض وبين تقارير حول انتشار كورونا في نفس المنطقة. إضافة إلى ذلك، وجد أن معظم المرضى كانوا إيجابيين لكورونا في الفترة التي سبقت ظهور المرض.
صحيح أن الغالبية العظمى من الأطفال المصابين بفيروس كورونا يمرون بأعراض خفيفة خالية من المضاعفات، لكن إحصائيا ووفقا للتقارير الواردة من المناطق المنكوبة بكورونا (مثل الولايات المتحدة وشمال إيطاليا)، وجد أن واحدا من بين عدة آلاف من الأطفال المصابين بكورونا يمكن أن يصاب بهذه المتلازمة الالتهابية متعددة الأجهزة. مع ذلك علينا أن نضع في اعتبارنا أنه لا توجد معلومات دقيقة عن مدى انتشار مرض كورونا عند الأطفال، والكثير منهم لا يتم تشخيصهم، وبالتالي قد تكون درجة شيوع المتلازمة الالتهابية متعددة الأجهزة بين مرضى كورونا أقل بكثير.
تمّ في إسرائيل أيضا، الإبلاغ عن عدد من الحالات منذ بداية الوباء. مع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من الارتفاع الكبير في عدد المرضى في المجموع السكاني لكن عدد الأطفال الذين أصيبوا بهذه المتلازمة قليل جدا.
وباختصار: هذا مرض نادر وخطير ولم تتضح بعد العلاقة بينه وبين فيروس كورونا. قد يحسّن العلاج الداعم المكثّف مساره بشكل كبير.
د. بات شيڤع غوتسمان طبيبة كبيرة في قسم الأمراض المعدية في مستشفى مئير من مجموعة كلاليت